الخميس، 29 أغسطس 2013

الثواني الأخيرةُ بعدَ منتصفِ الليل ! (الجزء الثاني)





الثواني الأخيرةُ بعدَ منتصفِ الليل ! (الجزء الثاني)

أَكملتْ بيتَ شِعرِها الأخير ، لكنَّ أعاصيرَ حزنها لم تكتمل بَعد .. كانتْ عينَاها كَسَحابةٍ ممطرةٍ أَلقتْ بها الرياحُ في قعر الجحِيم.. فلا الدموعُ انحبسَت ، ولا الجحيمُ ارتوَت.
ساعةُ وعشرونَ دقيقةٍ بالضبط ، مضتْ على موعِدِهما .. لمْ تعدْ الأسئلةُ الناعمةُ التي تختلجُ في ذِهنها كافيةً للردِّ على كلِّ ما يستعرُ في أعماقِها مِن شُكوك.


بدأت تُولدُ في أعماقِها "أُنثى أخرى" كما لو أنها في خِضمِّ حلبةِ صراعٍ داخلي بين أُنثاها العاشقةِ النادمة ، وأنثاها السابقة - حتى قبلّ ساعتين - ذو الكبرياءِ والتعالي واللامبالاة.

كانتْ كالذي يُريدُ أنْ يضربَ وجهَهُ بكفِّه ، لمْ تَعدْ قادرةً على تحمِّل هَولِ الموقِف ، أرادتْ أَنْ تعودَ إلى تلكَ الأنثى القوية حتى لا تخسرْ كبريائَها أمامَ ذاتها وأمامَ عائلتِها ، أو هكذا حَاولتْ إقناعَ ضعفِها المنهَك ، الذي أحسّتْ فيه بعد منتصفِ هذا الليل.

"لكنّي ولأولِّ مرة أحسستُ بأنّي أنثى حقيقية كفتياتِ روايات باولو كويلو أو كأميراتِ ألفَ ليلةٍ وليلة .. لقد أحسستُ بالحُبّ" كانت تحدِّثُ ذاتها المحتدم في صراعٍ حادٍ بينَ أُنثيَيها.

وتضيفُ وهي تسحبُ منديلاً جافاً من حقيبةِ يدِها بِحنق " لكنْ مَا الفائدة ؟ لقد أحسَستُ بهذا الشعورِ الغريب ، في لحظةِ ألمٍ فاصلة ، زلزلتْ كلَّ أركانِ هَيبتي ".

نَظرتْ إِلى النافذةِ نظرةً أخيرةً وهي تبتسمُ بمرارةٍ طاغية .. "ما أغباكِ!" ، وأغلقتِ النافذةَ بعنفٍ ، كما لو أنّ تلكَ النافذةُ تحوّلتْ إلى قَبوٍ مُظلم ، أو حانةِ "عصابات" مهجورةٍ ، بعد أَن كانت منذُ ساعةٍ واحةً مِن العشقِ الخيالي لِجميلِ مناظرِ الكونِ الجذّابة.
 
استدارت وهي تُهمْهِمُ "فليرحلْ إِلى الجحِيم" !.. في موقفٍ شعرتْ فيه أنّها انتصرتْ على ما يُسمّونهُ في قاموسِ العشّاق المهووسين بـ "الحُب" ، متناسيةً قَسمَها الشهير ، كأنَّ من أنشدتْ تلكَ الأبيات لا تمتُّ إليها بصلة.

استندتْ إلى سريرِها تحاولُ أن تلملمُ أجزاءَها المضطربة ، وهيَ تستنشقُ نَفَساً عميقاً ، ضغطت بشدةٍ على عينيها محاولةً تجفيفَ تلكَ الدموعِ الحمقَاء ، وألقتْ بالمندِيل  ، وكأنّها تتخلصُ من حماقةِ الحبِ المزعوم التي لا تجلبُ سوَى الدموع . وكانت هذه القاعدةُ الثانية التي تعلمتها هذه الليلة.

"فليرحلْ إلى الجحِيم" . وهي تُردَّدها كـ "شعار نصر" يُواسي خيبةَ أملِها الكبيرة ، رنَّ هاتفُها المحمول ، كان إشعارا صوتيا بوصولِ رسالةٍ نصيةٍ جديدة .. أخذتْ هاتفَها بثقة .. وفيما يبدو أنَّ أعصابها بدأتْ تتحسنُ قليلاً .. رسالةٌ نصية من رقمٍ مجهُول .. فتحتها ببُرود وقرأَت :

أَيَا أَيُّهَا الحسناءُ جِئتُكِ سَاعِيَا .. وَأَحْضَرتُ رُوحِي بينَ كفيَّ رَاجِيَا
يُسابِقُني شَوْقِي إليكِ وَمُهجَتي .. وَلكنَّ أَقــــــــــدَارِي أَبَتْ نَتَــلاقَـــــيَــــــــا
وَمَا شَاءَ رَبَّي أَنْ نَكُونَ سويةً .. وَشَاءَ لِأَنفَاسِي تُغادِرُ ذَاتِـــــــيــَـــــــا
كَأَنّي سَمِعتُكِ تُنْشِدِينَ قَصِيدَةً .. وَقُلتِ أُحِبُّكَ ، فَاسْتَفَقتُ ثَوَانِيَا
 فإِنْ رَحَلتْ رُوحِي فَمَا أَنَا رَاحِلٌ .. وَإِنْ بَقِيَتْ هاذِ الحُروفُ فَبَاقِيَا

لم تُصدِّقْ مَا رأتهُ .. أعادت قراءةَ الحروفِ مرةً ثانية وثالثة ورابعة .. وَأخذتْ تَصرخُ " مَات .. لقَد مَات .. لقَد ماااات".... ووقعت أرضاً.

- نص وشعر / إياد الشعيبي
- فضلا ، يمنع النسخ أو الاقتباس دون الإشارة لكاتبها
- يمكن الإطلاع على الجزء الأول من القصة
من هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق